الطبقة المبدعة... وإقتصاد الإبداع

أ.د. أحمد يوسف الزعبي

كلية العمارة والتصميم - الجامعة الأميركية في مأدبا

مستشار معماري وخبير في التصميم والتخطيط الحضري

 

الطبقة المبدعة هي المحرك الرئيسي للنمو الإقتصادي في الدول المتقدمة في العصر الحالي وفي المستقبل، ويؤسس تحول الإقتصاد من نموذج قائم على الإنتاج في هذه الدول إلى إقتصاد تحركه الأفكار والإبداع والإبتكار لطبقة جديدة من المبدعين الذين يجيدون التعامل مع التكنولوجيا وتوظيفها لخلق مجتمعات جديدة يتعايش فيها المبدعون عن قرب، ويتم ربطها بسوق العمل لخلق مفهوم جديد من المدن الإبداعية (الذكية) التي تقود إقتصاد التنمية.

وقد ساهمت هذه الطبقة في ظهور العديد من هذه المدنفي مختلف دول العالم التي لم تعد منعزلة عن المدن الكبرى، وإنما بدأت بالذوبان ضمن مجتمع يتحرك بسرعة، حتى أصبحت جزءاً مهما من حياة الناس اليومية داخل هذه المدن. 

وتتكون هذه الطبقة من المفكرين والقادة والمبتكرين والمعماريين والمصممين وأصحاب النفوذ ورجال الأعمال الذين يساهمون بتغيير الأوضاع الثقافية والتجارية في المدن؛ من خلال تطوير وتصميم وتسويق أحدث المنتجات والخدمات، وغالباً ما يكون أعضاء هذه الطبقة أول من يتبنون نفس هذه المنتجات والخدمات الجديدة بسبب مستويات دخلهم العالية، وتتألف هذه الطبقة، في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، من ثلث القوة العاملة،وتسيطر على نصف مجموع الأجور والدخل، وحوالي ثلاثة أرباع حجم الإنفاق.

وقد قام "ريتشارد فلوريدا" في كتابه واسع الإنتشار (صعود الطبقة المبدعة) بتعريف هذه الطبقة بأنها "مجموعة إجتماعية وإقتصادية جديدة من الناس تشمل العاملين في مجال العلوم والتكنولوجيا والفنون والثقافة وإدارة الأعمال والمهن"، وقال إن هذه الطبقة تشكل ما بين ثلث ونصف القوة العاملة في الدول المتقدمة، وأكثر من ذلك بكثير في المدن الكبرى، وهي القوة الإقتصادية المبدعة والرائدة في إقتصاد ومجتمع أي دولة متقدمة.

ويقول "فلوريدا"بأن قوة الدماغ البشري والإبداع هما المدخلان الرئيسيان في إقتصاد اليوم، فإذا كانت المصانع هي أساس التنظيم الإقتصادي في فترة العصر الصناعي، فإن المدن هي وحدات التنظيم المركزية للاقتصاد الإبداعي الجديد، لأنها تمثل المكان الذي يتجمع فيه الناس الأكثر تحفيزاً، بحيث يمكنهم أن يتنافسوا ويتعاونوا فيما بينهم لإطلاق أحدث التقنيات والشركات. 

ويقول "فلوريدا" بأن القوة المحركة وراء أي اقتصاد فعال تكمن في المبدعين،لأننا نعيش في أكثر عصر متقلب على الإطلاق، لأن الأشخاص الأكثر موهبة يتنقلون بكثرة، وقدرة أي مجتمع على جذب وتطوير هؤلاء الأشخاص ستكون هي جوهر تطور عصر الإبداع. 

وقد حدد "فلوريدا" في كتابه ثلاث نقاط في إطار إستعراضه لعصر الإبداع هي: (1) أن الإبداع ضروري لطريقة الحياة التي نعيشها والعمل الذي نقوم به اليوم، حيث أن الفقرات الهائلة في مستوى المعيشة، إلى جانب المزايا التنافسية في السوق، جاءت نتيجة وصفات أفضل وليس مجرد الطهي بلا مناسبة. (2) أن الإبداع البشري له مزايا وأبعاد متعددة، وليس مقصوراً على الإبتكار التكنولوجي أو أنماط العمل الجديدة، فالإبداع عبارة عن نتاج التفكير والعادات التي جاءت عن طريق الفرد نفسه والمجتمع الذي يحيط به؛ ولذلك أيضاً، فإن روح الإبداع تسود في أي مكان. و(3) ربما تكون أكبر قضية تواجه هذا العصر الجديد تتمثل في التوتر الحاصل بين الإبداع والأنظمة، فالعملية الإبداعية هي عملية إجتماعية بالدرجة الأولى وليست عملية فردية؛ لذلك فإن أشكال الأنظمة تبدو ضرورية. 

ويبقى القول بأنه كلما زادت تنافسية الإقتصاد في الدول فإن عليها الإسراع في جذب المزيد من المبدعين، وتوفير أفضل فرص التعليم والتدريب لهم كي تحافظ على قدرتها على المنافسة، ويقول خبراء إقتصاديونبأنه سيكون على الشركات الكبرى في المستقبل وقف حركة تراجع المبدعين عبر بناء مجتمعات صغيرة لهم تضم مدارس ومراكز لرعاية الأطفال ومراكز تسوق، وسيساعد دعم الفنون العامة وتجميل الطبيعة حول هذه المجتمعات في جذب المزيد منهم، بحيث تجعلهم يقضون أكثر وقت ممكن بالقرب من بعضهم البعض في العمل أو خارجه، كما تطمح أيضاً لربط بنية تحتية لتعليم متطور مع السوق؛والتي سيكون من واجبهاإستقبالإبتكارات المؤسسات التعليمية.

وقد قامت العديد من المدن في جميع أنحاء العالم بخطوات كبيرة لتحسين جودة المكان والصناعات القائمة على المعرفة، ومن المهم البحث عن الأماكن التي تعمل على تحسين وضعها وفقاً للعوامل الأساسية للتنمية الاقتصادية التي أطلقت عليها تسمية (3T)، وهي التكنولوجيا Technology)) والإبداع/الموهبة (Talent)، والتسامح (Tolerance)، فالتكنولوجيا والإبداع هما المكونان الأساسيان لقدرة المدينة على دفع عجلة النمو الاقتصادي، والمبدعون هم مفتاح حصول هذه المدن على كل شيء، كما أن المجتمعات التي يوجد فيها أكبر قدر من المبدعين هي الأكثر قدرة على التسامح مع الأفكار الجديدة والفئات المختلفة من الناس.

وللحديث بقية.

02-أيلول-2018 17:16 م

نبذة عن الكاتب